ومن سورة النساء
  ٥١ - وسألت عن قول الله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ١٦٤}[النساء: ١٦٤]، فقلت: كيف كان الكلام من الله ø لموسى #؟ وما معنى قوله: {تَكْلِيمًا ١٦٤}؟
  واعلم - هداك الله - أن الله تبارك وتعالى لم يوحِ إلى أحد من الأنبياء إلا على لسان الملك الكريم جبريل #، وكذلك إلى موسى صلى الله عليه، وقد كان منه الإيحاء إليه على لسان جبريل، حتى كان في هذا الوقت الذي ذكره الله ﷻ، عن أن يحويه قول الله أو يناله، فكان من الله إليه ما ذكر الله سبحانه من الكلام له #.
  وكان معنى ذلك أن الله خلق له كلاماً في الشجرة سمعه موسى بإذنه، كما كان يسمع ما يأتي به الملك إليه من وحي ربه، فكان فهم موسى - وسماعه لذلك الكلام الذي شاء الله إسماعه إياه، لما أراد من كرامته واجتبائه - كفهمه لما به كان يأتيه جبريل عن الله من وحيه سواء سواء. فلما أن لم يكن بين الله سبحانه وبين موسى صلى الله عليه - لهذا الكلام المخلوق في الشجرة - مُؤَّد يؤديه إليه، كما كان يكون فعله في غيره مما ينزله عليه، جاز أن يقول: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ١٦٤} يريد: أسمع موسى وأبلغه ما كان يريد من الكلام والوحي إسماعاً، بلا مؤد لذلك إليه. فَلَمَّا أن لم يكن بين الله وبين موسى مؤد للكلام إلى موسى - وكان المتولي لجعل الكلام وفعله وخلقه على ما سمعه موسى من البيان، والكفاية والتبيان - قال الله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ١٦٤}، ومعنى {تَكْلِيمًا ١٦٤} هو: تأكيد للإخبار منه ø بما كان من عجيب فعله، وعظيم قدرته، وظاهر برهانه، وما ازداد موسى به بصيرة إلى بصيرته، من خلقه لكلام ينطق بغير لسان، كما ينطق به ذو اللهوات والأدوات، واللسان والآلات.