تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة النساء

صفحة 179 - الجزء 1

  ٥١ - وسألت عن قول الله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ١٦٤}⁣[النساء: ١٦٤]، فقلت: كيف كان الكلام من الله ø لموسى #؟ وما معنى قوله: {تَكْلِيمًا ١٦٤

  واعلم - هداك الله - أن الله تبارك وتعالى لم يوحِ إلى أحد من الأنبياء إلا على لسان الملك الكريم جبريل #، وكذلك إلى موسى صلى الله عليه، وقد كان منه الإيحاء إليه على لسان جبريل، حتى كان في هذا الوقت الذي ذكره الله ، عن أن يحويه قول الله أو يناله، فكان من الله إليه ما ذكر الله سبحانه من الكلام له #.

  وكان معنى ذلك أن الله خلق له كلاماً في الشجرة سمعه موسى بإذنه، كما كان يسمع ما يأتي به الملك إليه من وحي ربه، فكان فهم موسى - وسماعه لذلك الكلام الذي شاء الله إسماعه إياه، لما أراد من كرامته واجتبائه - كفهمه لما به كان يأتيه جبريل عن الله من وحيه سواء سواء. فلما أن لم يكن بين الله سبحانه وبين موسى صلى الله عليه - لهذا الكلام المخلوق في الشجرة - مُؤَّد يؤديه إليه، كما كان يكون فعله في غيره مما ينزله عليه، جاز أن يقول: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ١٦٤} يريد: أسمع موسى وأبلغه ما كان يريد من الكلام والوحي إسماعاً، بلا مؤد لذلك إليه. فَلَمَّا أن لم يكن بين الله وبين موسى مؤد للكلام إلى موسى - وكان المتولي لجعل الكلام وفعله وخلقه على ما سمعه موسى من البيان، والكفاية والتبيان - قال الله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ١٦٤}، ومعنى {تَكْلِيمًا ١٦٤} هو: تأكيد للإخبار منه ø بما كان من عجيب فعله، وعظيم قدرته، وظاهر برهانه، وما ازداد موسى به بصيرة إلى بصيرته، من خلقه لكلام ينطق بغير لسان، كما ينطق به ذو اللهوات والأدوات، واللسان والآلات.