تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة الجن

صفحة 334 - الجزء 2

  ينزله فيها فيفضل به على سكانها، والشر فهو: العذاب والبلاء، والرشد فهو: الخير والرحمة والهدى، ولعمري لقد جعل الله ø بمحمد صلَّى الله عليه آله وسلم فى الأرض كل هدي وكل خير ورخاء.

  ثم رجع الخبر إلى قول النفر الذين صُرفوا من الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله فاستمعوا منه وذهبوا إلى قومهم منذرين، فحكى قولهم وهو قوله: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ١١}، فاخبروا أن منهم الصالحون، والصالحون فهم: المومنون، وأن منهم دون ذلك، بقول: دون المومنين، ومن كان دون المومنين فهو: من الكافرين.

  ثم أخبر سبحانه عن أنفسهم أنهم في الإختلاف {طَرَائِقَ قِدَدًا ١١}، والطرائق فهي: الألوان المختلفه، والأشياء التي هي غير مؤتلفه، فاخبروا أنهم مختلفون في المعرفة بالله والطاعه له، فمنهم المؤمن التقي، ومنهم المنافق الردي، ومنهم الكافر الغوي، و {قِدَدًا ١١} فمعناها: بددا، ومعنى بددا أي: شعوبا فرقا.

  {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ}، فمعنى {ظَنَنَّا} أي: أيقنا {أَنْ لَنْ نُعْجِزَ}، ثبتت هاهنا {لَنْ}، ولم تثبت في قوله: {أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ٥}⁣[الجن: ٥]، أرادوا: أنهم موقنون أنهم لن يعجزوا الله في الأرض ان استتروا بها، وكانوا تحتها وفي أكنافها، وأنهم لن يعجزوه هربا إن ذهبوا في الأرض هاربين، ومن مخافته طائرين، فاقروا بقولهم ما قالوا من ذلك بقدرة الله عليهم، وأنه لا مهرب منه إلا إليه، وأنه لن يعجز الله أحد ممن في الأرض ولا ممن في السماء، لا من مقيم ولا ممن ذهب على وجهه هربا.

  ثم أخبر بما كان منهم من القبول للهدى، فقال: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى