تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة الجن

صفحة 336 - الجزء 2

  ثم انقضى قول مومني الجن، ورجع القول والخبر إلى الله ذى القدرة والطول، ثم قال سبحانه، وجل عن كل شان شانه: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ١٦}، يعنى بالأستقامه: بني آدم، يقول سبحانه: لو أستقاموا على الطاعة لنا، والطريقة هى: الأمر الذى أفترضه الله عليهم، والطريق التي عليها أوقفهم من طاعته وعبادته، {لَأَسْقَيْنَاهُمْ} يقول: انزلنا عليهم من السماء {مَاءً غَدَقًا ١٦} والغدق فهو: الكثير.

  ثم قال: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} وبه، فننطر شكرهم لنا عليه، أو كفرهم لنعمنا فيه، فاخبر أنهم لو كانوا على الحق ولزموه، لرأوا من نعم الله ما لن يحصوه، وأنزل عليهم من من الماء ما يحيي به بلادهم، وتكثر به ثمارهم، ويزيد في أموالهم، ويوسع عليهم نعمهم، ويشبع بطونهم، كما قال سبحانه في غير هذه السورة: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٩٦}⁣[الأعراف: ٩٦]، فأخبر سبحانه أنه ليس بين عباده وبين كراماته إلا ما هم عليه من معاصيه، والإثره لما لا يرضيه.

  ثم قال: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ١٧} ومعنى {يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ} هو: يترك ذكر ربه، ومعنى {ذِكْرِ رَبِّهِ} فهو: خوف ربه وطاعته، {يَسْلُكْهُ عَذَابًا} أي: يدخله فيه، وكذلك تقول العرب: اسلك موضع كذا وكذا، أي: ادخل فيه وامضه،. وتقول: أسلك الخيط فى الأبره، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى لموسى: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ