تفسير سورة الجن
  يعرف أمد ذلك اليوم ولا وقته، ومعنى قوله: {إِنْ أَدْرِي} أي: أعلم، ومعني {أَقَرِيبٌ} أي: أَدَانِ ما توعدون؟ {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا ٢٥} يقول: أم يطول ربي أمده، ويبعده كينونته ومجيئه؟ علم ذلك كله عند الله، لا يعلمه سواه، ومعنى {أَمَدًا ٢٥} فهو: طولا وإنساء وتاخيرا، إلى أي الأوقات شاء.
  {عَالِمُ الْغَيْبِ}، والغيب هو: ماغاب وإستتر، وإستجن فلم يظهر، {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ٢٦} يقول: لايطلع على ما عنده من العلم أحد، {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}، يقول: الا من أختار لوعده وغيبه، وتبليغ رسالاته، فإنه يطلع ذلك الذي يختاره على ما يشاء من علم غيبه، وما يعلمه من أسباب خلقه.
  {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ٢٧} يقول سبحانه: يجعل من بين يديه ومن خلفه حفظه يحفظون أمره، وهم الذين قال الله سبحانه: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ١٧}[ق: ١٧]، فليس رسول مرسل ولا عامل بعمل، إلا وعن يمينه وعن يساره من يحفظ عليه من بين يديه ومن خلفه ما عمل، ويحصي عليه مافعل. وكذلك أخبر الله سبحانه أنه يجعل من بين يدي من إرتضى من خلقه حفظه يحفظون عليه، ويشهدون له بالفلاح والنجاح، ولأداء والنصيحة، ومعنى {رَصَدًا ٢٧} أي: فهم تحفظون حفظا، وينتظرون ما يكون من فعله، ويترقبون ما ياتي منه من التبليغ والصبر والإجتهاد، ليشهدوا له بذلك في يوم المعاد.
  وقد يمكن ويكون - والله أعلم وأحكم - أن يكون معنى قوله: {يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ٢٧} فهو: جعلٌ من الله مع من ارتضى من التوفيق والتسديد والمعونه والتاييد، ما يحفظه الله به من الزلل والخطأ، غير ذلك من الاعداء، فيكون شبه ما جعل معهم من التوفيق والتسديد، بالراصد لمن ابرصد من