تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة المزمل

صفحة 347 - الجزء 2

  فرض صلاة ليلك في أوله، حتى لا تؤخرها إلى آخره، فنهاه صلى الله عليه وعلى آله بذلك عن تخليف صلاة العتمة إلى آخر الليل، لشغل من أشغاله، أو أمر من حوائجه، التي يمكنه أن يفعلهن في النهار، ولا يشتغل بهن عن الصلاة في أول الليل، فلم يجعل له عذرا في تأخير العشاء والعتمة عن ناشئة الليل، وهي أوله بشيء من اشغال الدنيا، وأجاز له ذلك إذا كان مريضا، أو مصآفا للعدد أو مسافرا، أو غير واجد للماء، وجعل سبحانه لمن نزل به شيء من ذلك ما ذكر وحدد، من تبعيض الليل وقسمه وتمييزه وقتا، فوجب على المؤمنين أن يميزوا بين الحالين، ويقفوا على كلتا المنزلتين، فيعملوا بهما في أوقاتهما، ولا يجعلوا الحالتين حالة واحدة سواء، فإن الله سبحانه قد ميزهما، ودل عليهما أهل علمه، وفهمهما أهل المعرفة، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}⁣[الأنفال: ٤٢].

  ثم أمره بذكر ربه فقال: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ٨}، ومعنى {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} فهو: اذكر ربك، ومعنى اذكر ربك فهو: قَدِّس وكَبِّر وعَظِّم، ومعنى {وَتَبَتَّلْ} فهو: تفرغ له وانقطع إليه، واستسلم بكليتك في يديه، وتفرغ لعبادته، ونفاذ أمره، وفي ذلك ما تقول العرب: فلأن متبتل لله، يريد أي: متفرع لعبادة الله، لا يشرك في خدمته مع الله أحدا، لا نفسا ولا والدا ولا ولدا، {تَبْتِيلًا ٨} فمعناها: انقطع إليه بكلتيك انقطاعا باتا ثابتا.

  {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} فهو: مالك المشرق ومدبره ومالك المغرب