تفسير سورة المزمل
  لك الحجة عليهم، بما أريتك من الحجج البواهر فيهم، وأريتهم من آياتي، ثم بعد ذلك آذن لك بالسيف المسلول، وأويدك من عبادي بأهل المعرفة والطول، فتضع على المكذبين بين سيفك بأمرنا، وتقتل من خالفك بتأييد ذكرنا، وكذلك فعل. سبحانه به وبهم في عاجل الدنيا.
  ثم أخبر عزو جل بما أعد لهم من بعد ذلك في الآخرة التي تبقى، فقال: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا ١٢}، ومعنى {لَدَيْنَا} فهو: عندنا، ومعنى {أَنْكَالًا} فهو: التنكيل، بالأغلال والعذاب الوبيل، {وَجَحِيمًا ١٢} فهي: النار، ومعنى جحيم فهي: المجحمة لمن قاربها، ومعنى مجحمه فهي: الغالبة المهلكة، من ذلك ما تقول العرب: أحجم فلان بن فلان، أي هرب منه، وعجز عنه، وتقول العرب: أحجم فلانا إذا غلبه وقهره، فسمى الله سبحانه النار جحيما، يلقى أهلها منها من الاحجام لهم، والأمر العظيم النازل بهم.
  {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ}، فهو: الزقوم، الذي ذكر الله أمره والغصه فهي: الواقفة في الحلق، يقول: لا ينزل ولا يخرج بل بغص به صاحبه، ويقف في حلق آكله، وهو أشد ما يكون من الآكلين، إذا وقف طعامهم في حلوقهم، فلا ينحدر مستسفلا نازلا، ولا يرتفع صعدا خارجا، بل يكون غصه في الحلق ثابتة، وبليه فيه نابتة، {وَعَذَابًا أَلِيمًا ١٣}، يقول: عذابا شديدا دائما عتيدا.
  ثم قال سبحانه: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ}، وذلك اليوم فهو: يوم القيامة، فأخبرسبحانه إن هذا الطعام والعذاب يكون بأهله في يوم ترجف الأرض والجبال، وذلك اليوم فهو: يوم القيامة، وحين الحسرة والندامة، ورجوف الأرض والجبال فهو: زعزعتها وحركتها، لما يريد الله سبحانه من إهلاكهما بذهابهما.