تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة المزمل

صفحة 350 - الجزء 2

  {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ١٤} يقول: وصارت الجبال بعد ما هي عليه من انعقادها، ويبس صخرها وحجارتها كثيبا مهيلا، والكثيب فهو: الرمل، والمهيل فهو: المنهال الذي لا يمسك بعضه بعضا، فذكرسبحانه أن الجبال تصيربعد ما هي عليه منهالا رملا، ثم تصير من بعد ذلك كالعهن المنفوش، فناء وذهابا.

  ثم احتج على هؤلآء المكذبين أصحاب القصة والعذاب الأليم، بما أرسل إليهم من الرسل المكرمين، فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا ١٥}، يريد سبحانه: إنا أرسلنا إليكم رسولا لتؤمنوا به وتتبعوه فكفرتم ولم تسلموا، فكان شاهدا عليكم بفعله، قائلا بالحق غدا عليكم بحجته. ثم أخبر أنه صلى الله عليه وعلى آله في التبليغ إليهم والآداء، كموسى صلى الله عليه الذي هم به مقرون، أنه كان رسولا إلى فرعون، فأخبره أن سبيله # كسبيل موسى # في فرعون، وأنه ينزل بهم من العذاب على العصيان لمحمد ÷ ما نزل بفرعون في عصيانه لموسى #، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ١٦} يقول: عذبناه عذابا وبيلا، والوبيل: فهو: الشديد الثقيل.

  ثم قال سبحانه: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ١٧}، يقول سبحانه: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} أي: كيف تعتذرون وتخافون وتتقون ربكم غدا في هذا اليوم الذي يشيب فيه الولدان؟! فهو: يوم القيامة، {إِنْ كَفَرْتُمْ} اليوم في دنياكم التي هي دارعمل وبلاء، والآخرة دار ثواب وجزآء، يريد سبحانه بهذا القول: أن من كفر في هذه الدنيا لم يكن ليؤمن في الآخرة، ولا يجد إلى ذلك سبيلا،