تفسير سورة المزمل
  فدلهم ﷻ، عن أن يحويه قول أو يناله، على أن العمل في الدنيا دون الآخرة، وأن الآخرة دار الجزاء دون الدنيا، فإنه لا عمل إلا في الدنيا، وأنه من كفر في الدنيا لم يؤمن ويتق في الآخرة، وهو اليوم الذي يجعل الولدان شيبا، ومعنى {يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ١٧} لما ينزل بهم من هوله، وعظيم ما يعاينون من أمره، فتشيب رؤوسهم من فزعه، وتشمط من مدلهمات عجائبه.
  {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ}، يقول سبحانه: إن السماء تنفطر فيه، فقامت {بِهِ} مقام (فيه)؛ لأنها من حروف الصفات، وبعضها يخلف بعضا، فأراد سبحانه أن السماء منفطر في ذلك اليوم الذي جعل الولدان شيبا، وهو يوم القيامة، وانفطارها فهو: ذهابها وتقطعها وانقضاؤها، وقوله: {مُنْفَطِرٌ بِهِ} فهي: لغة لبعض العرب تطرح الهاء من المؤنث، فخرج الاسم مذكرا تدعوا كل مؤنث مذكرا وهي في طي خاصة، ثم لغيرهم عامة، ألا تسمع كيف يقول: {كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا ١٨} يريد: أن كل وعد وعد الله، أو وعيد كفلق الصبح، وكائن غير مخلف من انفطار السماء وعذاب المعذبين.
  ثم قال: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ١٩} يريد: أن هذه الأقاويل التي نقولها، والوعد والوعيد الذي نشرحه، هو تذكره للعالمين، وتنبيه لجميع المخلوقين، {فَمَنْ شَاءَ} قَبِلَ ذلك وخافه، فـ {اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ} قبل وقوعه: أي قبل وقوع ذلك اليوم، {سَبِيلًا ١٩} والسبيل: فهي الوسيلة والطريق بما يكون منه، من طاعته لربه، في أيام حياته، وقبل مواقعة وفاته.