تفسير سورة المزمل
  فرض الله عليه في وقت إفاقته في آخر ليله، أو نصفه، أو في أوله أو في ثلثه، فهذا معنى قوله: {أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}، يقول سبحانه: علم أنكم كلكم لن تقدروا على إحصاء وقت واحد والثبوت عليه، لما فيكم من هذه الأسباب العارضة لكم فيه.
  ثم قال سبحانه: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} يقول: هَوَّن عليكم وَرَخَّصَ لكم ولم يجعل في ذلك عليكم حرجا، ولم يلجئكم فيه إلى شدة من الملجأ، فيكلفكم فوق طاقتكم، في أن يجعل الوقت واحدا لصلاتكم، فيكون في ذلك شدة واستقصاء، على من كان في حالة واحدة مما ذكرنا من الشدة والبلاء.
  ثم أمرهم سبحانه أن يقرأوا في صلاتهم ما تيسر من القرآن من قليل أو كثير على قدر طاقتهم، وتصرف أحوالهم، [{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}] فجعل قليل القرآن مجزيا، لمن كان لصلاته مؤديا، ولم يشدد عليهم في شيء من أمورهم، ولم يحرجهم في حدود منه، ألا تسمع كيف يقول سبحانه فيما ذكرنا من حالات المصلين وألوان عللهم، حين يقول سبحانه: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}، فذكر من ذكرنا من المرضى، ثم قال: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} فذكرالذين شرحنا من المسافرين، والضاربين في أرض الله المتوجهين، ثم قال: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فذكر الذين ذكرناهم، ووصف بالقتال الذين وصفناهم، بالمصآفة لعدو الرحمن، والمحاربة لمن حارب الدين والقرآن، فدل بذلك على أنه سبحانه لم يحمل أهل هذه الصفات على وقت واحد، ولم يضيق عليهم في ذلك الواحد الماجد، لما علم من عجزهم، مع ما هم فيه من شغلهم، عن مثابرتهم عن وقت واحد دون غيره، من أوقات الليل الموقتات، اللواتي في هذه السورة مذكورات موصوفات.
  وإنما موضع ذكر ما ذكر الله من قوله: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى