تفسير سورة المدثر
  ثم قال سبحانه: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ٤٩} يريد سبحانه: فما لهم كانوا في الدنيا عن التذكرة معرضين ومعنى {فَمَا لَهُمْ} فهو: ما بالهم، ومعنى ما بالهم فهو: أيّ شيء كانوا عن التذكرة معرضين، والتذكرة فهي: ما ذكر الله لهم وقص عليهم، وأخبرهم به على لسان نبيه #، مما يعاينونه في الحشر، ويوم النشر، مما كانوا به مكذبين وعنه للعبهم معرضين، ومعرضون فهم: صادون تاركون.
  ثم شبههم سبحانه بإعراضهم ونفرهم عن الحق الذي كان يتلى عليهم، بالحمر المستنفرة فقال: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ٥٠ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ٥١}، والحمرفهي: هذه الحمر المعروفة، والمستنفرة فهي: الفزعة المرعوبة، ومعنى {فَرَّتْ}، فهو: هربت، ومعنى {مُسْتَنْفِرَةٌ ٥٠} فهو: الأسد، فذكر الله سبحانه أن فرارهم عن الحق، ونفورهم عن الصدق، كنفورهذه الحمير من الأسد.
  ثم قال سبحانه: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً ٥٢} ومعنى {بَلْ} فهو: قد، و {يُرِيدُ} فهو: يحب، {كُلُّ امْرِئٍ} فالمرء هو: الرجل، يقول سبحانه، يريد كل رجل منهم {أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً ٥٢} و {يُؤْتَى} فهو: ينزل عليه ويعطى، والصحف فهي: الكتب المنشرة، والكتب المنشرة فهي: المثبتة المبينة، التي تنشر وتقرأ، ويعرف ما فيها ويتلى، فأخبر سبحانه أن جميع الفاسقين المكذبين إنما كذبوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله حسدا منهم له على ما آتاه ربه، فكلهم يطلب ويتمنى أن يكون نبيا مرسلا، وليس ذلك لهم ولا كرامة، بل لله الأمر والقدرة والعظمة، والعزة، يعطي من يشاء نعمته، ويؤتيه كرامته ألا تسمع كيف يقول سبحانه: