تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسيرسورة القيامة

صفحة 380 - الجزء 2

  [{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ١٢}].

  {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ} أي: يُعلم الإنسان ويُخبر ويُوقف على فعله، ويُذكر بما كان قد قدم أو أخر، {الْإِنْسَانُ} فهو: الناس كلهم، {يَوْمَئِذٍ} فهو: يوم القيامة، {بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ١٣}، فمعنى {قَدَّمَ} أي: ما سلف منه من العمل، ومعنى {وَأَخَّرَ ١٣}، فهو: أخر النظر في عاقبته، يقول: قدم عملا فعمله، وأخرعن نفسه النظر والمخافة في عاقبته، ومعنى {وَأَخَّرَ ١٣} فهو: ترك ورفض الفكر، والخوف لمثل ما وقع فيه في يوم الدين، من العذاب المهين، على جزاء فعله المقدم، هذا معنى {قَدَّمَ وَأَخَّرَ ١٣}، ولا يخرج أبدا على غير هذا المعنى؛ لأن كل ما عمله الإنسان قبل وفاته، فهو: متقدم لوفاته وللقاء ربه، ولا يجوز أن يقال لشيء فعله في حياته من فعله الماضي وصنعه الذي وجب عليه الوعيد به: أنه متأخر ولا إنه أخره، كيف يكون مؤخرا بعد وفاته، وقد وجب عليه الوعيد بفعله، وليس الذي ترك وأخر إلا ما ذكرنا من ترك المخافة للوعيد والفكرة فيه، والنظر في عاقبته، وترك الإستعداد له.

  ثم قال سبحانه: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ١٤}، يريد: بل هو على نفسه حجة، وشاهد عليها بما كان من فعلها، وذلك قوله سبحانه: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥}⁣[يس: ٦٥]، يقول سبحانه: هو عالم في حياته بما يكون منه، وهو أعلم الخلق بما هو عليه من ضميره وعلانيته، فهو: أبصروأعلم بما هو عليه في حياته لربه، وهو في الآخرة شاهد على نفسه بفعله في حياته، حجة لنا عليها، وقائل بالحق يوم الدين فيها.