تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة الإنسان

صفحة 402 - الجزء 2

  ثم قال سبحانه احتجاجا عليهم بما أنعم الله عليهم، فقال: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ}، فقال: {خَلَقْنَاهُمْ} أي: جعلناهم وفطرناهم، {وَشَدَدْنَا} أي: قوينا، {أَسْرَهُمْ} والأسرفهو: الخلق وتركيب المفاصل، وتثبيت الأعضاء، فنقول: شددنا ذلك كله ومكناه وثبتناه وفصلناه.

  {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا ٢٨} ومعنى {شِئْنَا}: أردنا، أي: إذا شئنا أهلكناهم وأبدناهم، وأنشأنا خلقا غيرهم مثلهم، {تَبْدِيلًا ٢٨} فهو: جعلناه جعلا وأتينا بمثله بدلامنهم، اقتدارا وانفاذ ارادة، هذا معنى {تَبْدِيلًا ٢٨} تأكيد لما ذكر من تبديل المبدل، وإحداث ما يحدث بدلا من الذاهب، وهي كلمة للعرب تؤكد بها المعنى الذي تريده وتذكره، تقول العرب: كلمناه تكليما، توكيدا للكلام، وتقول: ضربناه ضربا، تؤكد بها الضرب، وأخرجناه إخراجا، تؤكد الإخراج بقولها: إخراجا، وكذلك أدخلناه إدخالا، تؤكد الإدخال بقولها: إدخالا، وتقول: بدلناه تبديلا، تؤكد معنى التبديل بقولها: تبديلا.

  {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ}، فمعنى {هَذِهِ} هي: الأقاويل والمعاني، والإحتجاج عليكم بما كان منا في خلقكم وتركيبكم تذكرة لكم، ومعنى {تَذْكِرَةٌ} أي: تنبيها لكم وحجة عليكم، {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ٢٩}، يريد بقوله: {مَنْ شَاءَ} أي: من أراد، ومعنى {اتَّخَذَ} فهو: فعل وقدم وجعل، ومعنى {إِلَى رَبِّهِ} هو: إلى عند ربه، ومعنى اتخاذ العبد عند ربه هو: تقديمه للعمل الصالح، الذي يجد ثوابه عند ربه في يوم حشره، ومعنى {سَبِيلًا ٢٩} أي: وصلة، ومعنى صالحا: يجد عند الله ثوابه.

  {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} يقول سبحانه: وما تقدرون على اتخاذ السبيل