تفسير سورة الإنسان
  إلى الله إلا أن يجعل فيكم استطاعة وقوة على ذلك، وعقولا تميزون بها بين رضاء الله وسخطه، فتتبعون الرضا وتدعون السخط، فلولا أن الله أراد أن يجعل فيكم تلك الإستطاعة تنالون بها التمييز، وتصلون بها الى العمل، ما قدرتم على ذلك أبدا، غير الله سبحانه، أراد أن يجعل استطاعة ذلك فيكم وتركيبها، فجعل فيكم استطاعة تنالون بها الخير والشر، وأمركم ونهاكم، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}[الأنفال]
  {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ٣٠}، فمعنى {كَانَ} أي: لم يزل، ومعنى {عَلِيمًا} فهو: الذي لا يخفى عليه شيء، العالم بكل شيء أو لم يكن مما سيكون، فقد علم ما كان من قبل أن يكون، وعلم ما سيكون أنه سيكون من قبل أن يكون، ومعنى {حَكِيمًا ٣٠} أي: متقنا لفطرته ولجعله وخلقه، الذي لا يتغير ما أثبت ولا يثبت ما غَيَّر، الجاعل ما لا يصلح غيره، الحسن التدبير، الجيد التقدير، الذي لا تفاوت في خلقه، ولا فساد في تدبيره.
  ثم قال سبحانه: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ}، والرحمة هي: الثواب، والذي شاء أن يدخلهم في رحمته فهم أهل طاعته دون أهل معصيته، ألا تسمع كيف ميزبينهم وبين الظالمين، فقال: {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ٣١}، فجعل الرحمة للمطيعين، والعذاب الأليم للظالمين، والظالمون فهم: الظالمون لأنفسهم، بإدخالها في عذاب ربهم.
  أي: هيأ وجعل، والأليم فهو: الشديد المؤلم الموجع، المبالغ ممن داناه، والحمد لله حق حمده، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما.