تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة المرسلات

صفحة 412 - الجزء 2

  عمن صح أنه أهلكهم، فلن يقولوا: أن لهم مُهلِكا غيرنا، ولا أحدا سوانا، فكما أخذنا الأولين بذنوبهم، فكذلك نحن قادرون على أن نأخذ الآخرين منكم ومن غيركم، بتكذيبهم وفسقهم، وجحدانهم للحق الذي جاء من ربهم.

  ثم أخبر سبحانه أن ذلك كله فعله في المجرمين، وفي كل من تمرد برب العالمين، فقال: {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ١٨}، ذكرالوعيد للمكذبين، والإخبارعما يلقونه من الويل في ذلك اليوم.

  والويل هو: البلاء الوبيل، والعذاب الطويل، فقال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ١٩ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ٢٠}، والمهين فهو: القليل اليسير، الذليل الضعيف الحقير، {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ٢١}، والقرار المكين فهو: موضع قرار الماء من الرحم، وسمى قرارا لقرار ما فيه، وقراره فهو: ثبوته فيه ولزومه له، و {مَكِينٍ ٢١} فهو: متمكن، ثابت حصين محصن، {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ ٢٢}، يريد: إلى وقت معلوم، والمعلوم فهو: المفهوم عند الله، والمفهوم عند الله فهو: الأجل الذي أجله في المقام في الرحم من قليل الأشهر أو كثير.

  {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ٢٣} يريد بقوله: {فَقَدَرْنَا} يقول: فقدرنا على جعل النطفة في القرار المكين، وانشائها في الرحم إلى وقت خروجها المعلوم، {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ٢٣} معنى {فَنِعْمَ}: تعظيم القدرة، وإخبارعن جليل النعمة، وهذه كلمة تقولها العرب إذا مدحت شيئا وأثنت عليه، قالت: نعم الرجل، نعم الفرس، نعم الشيء. تريد بذلك: ما أكمله، وأبين فضله، وأظهر خيره، فأخبرالله أنه أفضل بقوله: {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ٢٣} أي: أننا أفضل القادرين، وأعظمهم قدرة.

  ثم ذكر الوعيد للمكذبين فقال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ٢٤ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ٢٥ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ٢٦ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ