تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة المرسلات

صفحة 413 - الجزء 2

  مَاءً فُرَاتًا ٢٧}، فقال: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ٢٥} توقيفا لهم على أثر صنعه، وتقريرا على ما يقرون به من فعله، ومعنى {كِفَاتًا ٢٥} أي: ضامة جامعة لكم، إخبارا بما فيها من منازلها وبيوتها ودورها التي تكتفتون فيها وتأوون، وتغلقونها عليكم، تضمكم وتجمعكم، وتكفتكم أي: تجمعكم أحياء وأمواتا، وكفتها لهم أمواتا فهو: ضمها لأبدانهم في حفرها التي هي قبورهم، فكانت الأرض لهم كافتة في حياتهم وبعد وفاتهم، وكفتها لهم فهو: ما ذكرنا من جمعها وضمها إياهم.

  والرواسي الشامخات فهي: الجبال الطامحات المرتفعات، ومعنى {رَوَاسِيَ} في الثابتات، أي: الراسخات عروقها، الثابتة أصولها.

  {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ٢٧} فمعناها: أنزلنا عليكم وأوجدناكم ماء فراتا، والفرات فهو: العذب الطيب الذي لا ملوحة فيه، فكلما ذكر الله ø من فعله بهم، وما جعل لهم بما امتن به عليهم من هذه الأشياء المذكورات، والأمورالمبينات، فإنما أراد بذلك سبحانه توقيفهم على ما يعرفون أنه من فعله، ويقرون به أنه من صنعه، فيقول تبارك وتعالى: كيف تنكرون بعض ما ذكرناه لكم من قدرتنا على بعثكم ونشركم؟! وقد ترون فعلنا فيكم! وأثر قدرتنا في ما أظهرناه وجعلناه لكم! ليس هذا منكم إلا كفرا وإنكارا! ومضادة للحق واستكبارا.

  ثم قال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ٢٨} ببعض أمرنا، وبما قد رأوا أعظم منه في قدرتنا.

  ثم قال سبحانه: {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ٢٩} فهذا أمرٌ أمر به المكذبين الفاسقين الكافرين الجاحدين في يوم الدين، بالإنطلاق إلى ما كانوا به يكذبون من جهنم وأعلالها، وعذابها وسعيرها.