تفسير سورة المرسلات
  {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ ٣٠ لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ٣١} فأخبرهم أنهم لا يرون فيها ظلا إلا ما لا يغني من اللهب، ولا يستر من العذاب، فقال سبحانه: {ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ ٣٠}، فمثل لهم ذلك بكل شيء فيه ثلاث شعب، فالشمس تدخل من كل شعبة، ولا يصفو له ظل، ولا يوجد فيه راحة ولا كِنٌّ، فضرب الله لهم هذا الظل مثلا بعذاب جهنم، يريد أنكم لا تجدون في جهنم راحة من العذاب، كما لا تجد طالب الظل في الموضع الذي فيه ثلاث شعب، والشعب فهي: الفُرَج والثلم والمواضع المكشوفة، فهو: لا يجد فيه فرجا من الشمس، ولا يقدر فيها على ما يحب من الظل؛ لأن الشمس من حيث ما دارت دخلت عليه من فُرَجه، ووصلت إليه من ثُلَمِه، كذلك أصحاب جنهم - نعوذ بالله منها ومن عذابها، ومن عمل يقرب إليها - حيث ما دار منها، أو طمع بفرج فيه من جوانبها، وجد فيه العذاب له مضاعفا، ثم يجد في ناحية منه من عذابها فرجا.
  {لَا ظَلِيلٍ} يقول: لا مانع لكم من حرها، {وَلَا يُغْنِي} - لكم - {مِنَ اللَّهَبِ ٣١} يقول: لا يمنع من وصول لهبها إليكم، ولا يستر عنكم شيئا من العذاب المكتوب عليكم.
  ثم أخذ سبحانه في وصف جنهم وشررها، وعظيم ما جعل الله عليه من فطرتها، فقال: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ٣٢ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ٣٣}، والقصر فهو: الدار المبنية الكبيرة والمرتفعة، والجمالات الصفر فهي: الجبال الصغار المنفردة من الجبال التي تكون في قيعان الأرض، تسميها العرب: الظراب، واحدها: ظرب، وأهل اليمن يسمونها: جمالات، فشبه الله سبحانه شرر جهنم التي تطيرمنها