تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة النبأ

صفحة 440 - الجزء 2

  فهو: جبريل صلى الله عليه، {وَالْمَلَائِكَةُ} القيام، صفا في ذلك اليوم فهم: الشهود والكتبة والحفظة على الآدميين ما كان من أفعالهم في دنياهم، وهم الذين قال الله سبحانه: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ١٧ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ١٨}⁣[ق: ١٧ - ١٨]، ومن الملائكة الوقوف، ملائكة موكلون بإيصال المثابين إلى الثواب الكريم، وإيصال المعاقبين إلى عذاب الجحيم، وكذلك سائر الملائكة كلٌ منهم واقف ينتظرأمر ربه، معظما لما يرى من فعله.

  {لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} يقول: لا ينطقون من هيبته، ولا يتكلمون من إجلاله وتوقيره، سبحانه وتقديسه، {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} منهم، والإذن ها هنا هو: الأمر من الله له بالكلام بما يأمرهم من توقيف العباد على أفعالهم، ومحاسبتهم على أعمالهم، {وَقَالَ صَوَابًا ٣٨} معناها: قال حقا، من توقيف الحفظة للآدميين على ما كان من فعلهم، وتعريفهم ما تقدم من خطاياهم، التي أحصوها عليهم في دنياهم، فوقفوا من ذلك على الصواب، والصواب هاهنا: فهو: الحق في جميع الأسباب، من قول كان أو عمل.

  ثم قال سبحانه: {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ}، يريد أي: ذلك يوم حق، معنى يوم حق أي: أنه يوم آت حق، كفلق الصبح لا خلف في إتيانه، ولا بطلان لما ذكر منه، فإتيانه حق، وكينونته حق، وكل ما يفعل فيه فحق لا ظلم فيه ولا حيف.

  {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ٣٩}، يقول سبحانه: فمن شاء من الخلق اتخذ في دار دنياه، وقبل فنائه وانقضائه، إلى ربه سبيلا، أي: يجده غدا عنده، من العمل بطاعته، والإتباع لمرضاته.