تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الأنعام

صفحة 195 - الجزء 1

  فمعنى قوله: {يَشْرَحْ صَدْرَهُ} فهو: يوفق ويسدد وينور الحق له وفيه، (ويهديه ويعينه على طاعته)، حتى يتضاعف فيه الهدى، ويدخله معرفة التقوى، ولا يكون ذلك إلا لمن قبل من الله سبحانه الهدا المبتدأ، (فإذا أطاع العبد الله وَأْتمَر بأمره، وأنتهى عن نهيه، وقبل ذلك شرح الله صدره، وأعانه على نيته)، فزاده عند قبوله له هدىً، كما قال: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ١٧}⁣[محمد: ١٧] فهذا معنى الشرح من الله لصدور من آمن به واتقاه،

  (وأما تضييق الصدر الذي ذكر الله سبحانه أنه يفعله بعبده، فإنما ذلك خذلان من الله لأهل المعاصي، على ما يكون من جرأتهم على الله ø، وإقدامهم على معاصيه، فإذا حآدوا الله وخالفوه، وبإظهار المعصية باينوه، خذلهم وتبرأ منهم، فعدموا التوفيق فضاقت صدورهم، واختلطت عليهم أمورهم، بما استجلبوه في معصيتهم، جزاء على فعلهم، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}⁣[الرعد: ١١]، والله تعالى ليس يظلم عبيده، ولا يخرجهم من طاعته، ولا يدخلهم في معصيته، بل طريق الرشد هداهم، وسبيل نجآتهم أتاهم، كما قال ø: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٤٤}⁣[يونس: ٤٤]، فلو كان الظلم بقضاء من الله ما قال: {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٤٤} ولمن الظلم منهم لأنفسهم، والتعدي بأفعالهم، والله بريء من أعمالهم.

  ومن الدليل على أن أفعال المخلوقين منهم، ما يذكر الله سبحانه عن الظالم