تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الأنعام

صفحة 196 - الجزء 1

  إذ يقول: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ٢٧ يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ٢٨ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ٢٩}⁣[الفرقان]، فأقر بالضلال على نفسه، وأعترف به من فعله، ونسبه إلى قرينه، وبالمجير له، والمانع من طاعة ربه، وفي ذلك ما يذكر الله سبحانه عن موسى #، وإذ يقول: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ١٥}⁣[القصص: ١٥] ولو كان فعل موسى صلى الله عليه من الله، لقال: هذا من قضاء ربي، ولم يقل {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} ولم ينسبه إلى الله ذي العزة والسلطان.

  وكيف ينسب إلى الله سبحانه ما ليس من فعله؟! لقد افترى القائلون بذلك على الله، وقالوا بهتانا مبينا، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ٢٣}⁣[النجم: ٢٣] فأخبر ø عنهم أنهم يتبعون الظن وهوى الأنفس، ولو كان منه ذلك بقضاء عليهم وتقدير، لكان من عنده، ولم يقل: {يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ}، وكيف يتبع هوى نفسه من قد منع من فعله، وإنما هو يتقلب في قضاء ربه، والله سبحانه فلا يقول إلا الحق، فهل يحل لمسلم أن ينسب فعلهم الذي نسبه الله إليهم، ويبرئ نفسه منه إلى الله. فإن قال بذلك قائل فقد رد كتاب الله وعانده، وخالف حكمه، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا.

  ومن الدليل على أن أفعال العباد منهم اختياراً، وتعديا على أنفسهم، ما قال الله سبحانه: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ٤ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ٥}⁣[الكهف: ٤ - ٥]