ومن سورة الأعراف
  وإنما معنى قوله: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} هو: أرني آية من كبار آياتك، أنظر بها إلى عجائب قدرتك، وإلى ما لا أشك فيه من عجائب فعلك، الذي لا يناله غيرك، ولا يقدر عليه سواك، فأوحى الله إليه: إنك {لَنْ تَرَانِي} يقول: إنك لن ترى مني تلك الآية، لضعف بنيتك عما طلبت من عظيم آياتي، التي لا يقوم لها فِطُر الآدميين، ولا يقدر على تأملها أحد من الآدميين، ثم قال سبحانه: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} الذي هو أشد منك بُنية، وأقوى منك فطرة، فإني سأهبط عليه بعض ما سألتني أن تراه من عظيم آياتي، فإن استقر هذا الذي هو أشد منك بنية، عند تجلي الآية عليه، ووقوعها به، فسوف أريكها أو مثلها، وإن لم يستقر ولم يطقها، فكيف تسألني أنت أن أريكها أو مثلها؟! بل كيف تقوى بنيتك الضعيف لها، ولم يقم لها جسم الجبل العظيم، الصخر الصلد الجسيم، قال تعالى {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ} يقول: فلما تجلت آية ربه للجبل {جَعَلَهُ دَكًّا}، فقال: تجلى ربه، وإنما معناها: تجلت آية ربه، وهذا من العربية فكثير أن تقيم الشيء مقام ما هو منه، مثل ذلك قول الله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}[يوسف: ٨٢]، فقال: العير والقرية وإنما القرية الجدر والأرض، فلم يرد ذلك، وإنما أراد: أهل القرية، فطرح أهل وأقام القرية مقام أهلها، {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} والعير فهي: الإبل وليس تُسأل الإبل، وإنما أراد: أهل العير، فطرح الأهل وأقام العير مقامهم، فعلى ذلك يخرج معنى قول الله {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ}، ولله المثل الأعلى،