(فصل في شروط صحة البيع)
  عليه. وقد قال قوم إن الافتراق هو فرقة الأبدان ولو كان كما يقولون ثم باع محبوس محبوسا معه في الحبس في بيت واحد شيئا لم يلزم البيع ولم يجب الشرا عليه للمشتري.
  وكذلك لو كان في جلبة صغيرة مجتمعين فيها ثم تبايعا لم يصح البيع بينهما ولم ينقطع بينهما الأمر وكان البايع بالخيار على المشتري والمشتري بالخيار على البايع أبدا إلى أن يخرجا من الحبس أو من الجلبة بأبدانهما. وفي ذلك ما لا يخفى على عاقل من تلف السلعة وهلاكها إن كانت حيوان أو غيره فإن تلف أو مات أو هلك هذا الشيء الذي قد تبايعاه بينهما من قبل افتراق أبدانهما فعلى من الضمان وعلى من يجب غرم ثمن تلك السلعة؟ فلا بد أن يلزمهم في قياسهم ويلزم من قال مقالهم أن المشتري بريء من ذلك وإن كان قد اشترى وانقطع الأمر بينهما وانقضى وهذا مما لا يقبله عقل عاقل ولا يقول به من الناس الا كهام(١) الذهن غافل بطي الفطنة مختلف القياس واهِل(٢).
  وقال في أصول الأحكام بعد إيراد الحديث المتقدم وجه قولنا: قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١] وقد عقدا عقدا و لم يشرطا خيارا فإذا اجزنا لهما الخيار كنا قد أجزنا لهما ترك الوفا. وقد قال تعالى {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء: ٢٩] فصح ما قلنا. وقال تعالى {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}[الشورى: ١٤] {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا}[آل عمران: ١٠٥] وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا}[الأنعام: ١٥٩].
  وعن النبي ÷ أنه قال: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة». والمراد بذلك كله تفرق الأقوال.
  وقال في الشفا بعد ايراد الحديث المتقدم دل على أن الخيار ثابت قبل التفرق في الاقوال. وهو قول القاسمية. والثاني: يعتبر التفرق في الأبدان وهو قول الناصرية وهو الصحيح لأنه يفيده بحقيقته. ويدل عليه خبر الأعرابي روي ان النبي ÷
(١) الكهام: العي انتهى من الصحاح.
(٢) الواهل: الواهم.