الاعتصام بحبل المتين،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

(وذكر الهجرة الكبرى)

صفحة 362 - الجزء 5

  إلى قومه فلما كان وقت المساء لسعت ذلك الرجل رتيلا فقتلته. فأقبل سويد بن الحارث إلى النبي ÷ مسلمً. واشتَّدَّ إسلامه على أهل مكة واعتانوه، وانصرف سويد يريد الطائف. فبعث أبو سفيان بغلام له اسود يُدْعَا ريحان، وبعثه خلفه ليقتله فخرج ولحق سويد بعقبة الطائف. فدلا عليه حجرا فقتله رحمة الله عليه. فقال النبي ÷: ما لريحان؟ قطع الله يده عاجلا، فاستقبل جَمَلاً بمكة لبني عوف فالتقم يده اليمنى حتى قطعها من المرفق، ولم يرقأ دمه حتّى مات. فلم يزل # بمكة يعرض نفسه في المواسم وبمنى على القبائل حتى أراد الله ø إعزاز دينه، خرج يعرض نفسه كما كان يصنع فبينما هو عند العقبة إذ بستة نفر من الخزرج من المدينة فدعاهم الى الله وتلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض: تعلمون والله إنه النبي الذي وعدكم أهل الكتاب فأجابوه وآمنوا به وانصرفوا الى يثرب وتحدثوا بأمره # حتى اذا كان من العام المقبل وافى الموسم معهم ستة غيرهم منهم: أبو الهيثم بن التيهان فلقوه # عند العقبة فبايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصوه في معروف وبعث النبي ÷ معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ويعرفهم الإسلام. فلما كان العام المقبل، وفيه كانت البيعة الثانية عند العقبة، خرج سبعون رجلا للحج فأرسل اليهم أين الملتقى؟ فتواعدوا العقبة ليلاً، فاجتمعوا في أصلها، وأتاهم النبي ÷ في جوف الليل، فبايعوه على أن يعبدوا الله، ولا يشركون به شيئاً وَيُحِلُّوا حَلالَه وَيُحَرِّمُوا حَرَامَه، ويمنعوه مما يمنعون به أنفسهم وذراريه ما يمنعون ذراريهم.

  قال: وبلغ قريش أن الأوس والخزرج بايعوه على سفك دمائهم وهتك حريمهم فلما غدّوا عليهم فابتداهم عتبة بن ربيعة فقال: يا معشر الأوس والخزرج بلغنا أنكم بايعتم محمداً على أمر والله ما أحد أبغض الينا وإليكم من أنشأ العداوة بيننا وبينكم. وتكلم أبو سفيان بن حرب فقال: يا أهل يثرب: ظننتم أنكم تخدعون أخانا وابن عمنا وتخرجونه عنا؟ فقال حارثة بن النعمان: نخرجه والله معنا على رغم أنفك وازدحم الكلام بين الفريقين حتى ضرب عبد الله بن رواحة الى سيفه وهو يرتجز ويقول:

  الآن لمَّا [قد] تبعنا دينه، ... وبايعت أيماننا يمينه.

  عارضتمونا إذ تبادرونه، ... وقبل هذا اليوم تشتمونه.