الاعتصام بحبل المتين،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

(وذكر الهجرة الكبرى)

صفحة 363 - الجزء 5

  وقال عتبة: يا معشر الاوس والخزرج: لسنا نحب أن ينالكم على أيدينا أمر تكرهونه وهذه أيام شريفة وقد رأينا أن نعرض عليكم. فقالوا: ما هو يا أبا الوليد؟ قال: تتركون هذا الرجل عندنا وتنصرفوا على أنا نعطيكم عليه عهداً ألا نؤذيه ولا أحدا من آمن به، ولا نمنعه أن يصير اليكم، ولكن نجعل بيننا وبينكم ثلاثة اشهر، فإن رأى محمد بعدها اللحوق بكم لم نمنعه. فتكلم النبي ÷، فحمد الله وأثنى عليه، وقرأ آيات من الأنعام ثم أقبل على الأوس والخزرج فقال «إنكم تكلمتم بكلام أرضيتم الله به، وقد سمعت مقالة القوم، فإن أرادوا خيراً فالحمد لله على ذلك، وان أرادوا شرًّا فالله لهم بالمرصاد، وقد مكر الذين من قبلهم فأتى اللهُ بنيانَهم من القواعد، وإني اراهم طلبوا منكم أجلا وما صبرت عليهم من أمرهم إلى الآن أكثر من هذا الأجل، وقد أذنت لكم بالانصراف إلى بلدكم فانصرفوا راشدين جزاكم الله خيرا» فعندها ارتحلوا الى المدينة ورجعت قريش الى منازلها، وجعل النبي ÷ يأمر أصحابه بالهجرة الى المدينة فجعلوا يخرجون واحداً بعد واحد والنبي ÷ مقيم بمكة. فلما رأت قريش أن المهاجرين قد نزلوا داراً وأصابوا منعة حذروا خروج رسول الله ÷ فاجتمعوا في دار الندوة: دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها.

  قال ابن اسحاق: حدثني ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنهم غدوا اليها في اليوم الذي اتَّعدوا فيه، فاعترضهم إبليس فقال قايل منهم احبسوه في الحديد يعنون النبي ÷ واغلقوا عليه باباً فقال ابليس: والله ما هذا برأي لئن حبستموه ليرقين أمره إلى أصحابه، وفي نسخة ليرجعن. فلأوشك أن يثنى عليكم فينزعونه من أيديكم فقال قايل: ننفيه من بلادنا فلا نبالي أين ذهب. فقال ابليس: ما هذا لكم برأي فلو فعلتم ما أُمِنْت أن يحل على حي فيتابعونه ويصير اليكم بهم فقال أبو جهل: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة شابا نسيبا ثم يعطي كل فتى سيفا صارما ثم يضربوه ضربة رجل واحد فيقتلونه فيتفرق دمه بين القبائل. فقال: القول ما قال هذا الرجل. فتفرقوا على ذلك فأتى جبريل رسول الله ÷ فقال: لا تَبِتْ هذه الليلة: على فراشك. فلما كان من العتمة اجتمعوا على بابه وترصدوا متى ينام. فقال رسول الله ÷ لعلي #: نم على فراشي واتَّشِحْ ببردي الحضرمي فنم فيه. وكان رسول الله ÷ ينام في بردته تلك إذا نام» قال الله سبحُانه {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ