شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في الملائكة وأقسامهم

صفحة 102 - الجزء 1

  (ثُمَّ أَسْكَنَ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عِيشَتَهُ عَيْشَهُ وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ اَلْمُقَامِ وَمُرَافَقَةِ اَلْأَبْرَارِ فَبَاعَ اَلْيَقِينَ بِشَكِّهِ وَاَلْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ وَاِسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً وَبِالاِعْتِزَازِ بِالاِغْتِرَارِ نَدَماً ثُمَّ بَسَطَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ وَوَعَدَهُ اَلْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ فَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ اَلْبَلِيَّةِ وَتَنَاسُلِ اَلذُّرِّيَّةِ) أما الألفاظ فظاهرة والمعاني أظهر وفيها ما يسأل عنه.

  فمنها أن يقال الفاء في قوله # فأهبطه تقتضي أن تكون التوبة على آدم قبل هبوطه من الجنة.

  والجواب: أن ذلك أحد قولي المفسرين ويعضده قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ١٢١ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ١٢٢ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا}⁣[طه: ١٢١ - ١٢٣] فجعل الهبوط بعد قبول التوبة.

  ومنها أن يقال إذا كان تعالى قد طرد إبليس من الجنة لما أبى السجود فكيف توصل إلى آدم وهو في الجنة حتى استنزله عنها بتحسين أكل الشجرة له.

  الجواب أنه يجوز أن يكون إنما منع من دخول الجنة على وجه التقريب والإكرام،