شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

اختلاف الأقوال في ابتداء خلق البشر

صفحة 104 - الجزء 1

  على رأي الفلاسفة، ويقول بحدوث الأجسام لا يثبت آدم ويقول إن الله تعالى خلق الأفلاك وخلق فيها طباعا محركة لها بذاتها فلما تحركت وحشوها أجسام لاستحالة الخلاء كانت تلك الأجسام على طبيعة واحدة، فاختلفت طباؤعها بالحركة الفلكية فكان القريب من الفلك المتحرك أسخن وألطف والبعيد أبرد وأكثف، ثم اختلطت العناصر وتكونت منها المركبات ومنها تكون نوع البشر كما يتكون الدود في الفاكهة واللحم والبق في البطائح والمواضع العفنة، ثم تكون بعض البشر من بعض بالتوالد وصار ذلك قانونا مستمرا ونسي التخليق الأول الذي كان بالتولد، ومن الممكن أن يكون بعض البشر في بعض الأراضي القاصية مخلوقا بالتولد وإنما انقطع التولد؛ لأن الطبيعة إذا وجدت للتكون طريقا استغنت به عن طريق ثان.

  وأما المجوس فلا يعرفون آدم، ولا نوحا، ولا ساما، ولا حاما، ولا يافث، وأول متكون عندهم من البشر البشري المسمى كيومرث، ولقبه كوشاه، أي: ملك الجبل؛ لأن كو هو الجبل بالفهلوية وكان هذا البشر في الجبال، ومنهم من يسميه كلشاه، أي: ملك الطين وكل اسم الطين؛ لأنه لم يكن حينئذ بشر ليملكهم.

  وقيل: تفسير كيومرث حي ناطق ميت قالوا، وكان قد رزق من الحسن ما لا يقع عليه بصر حيوان إلا وبهت وأغمي عليه، ويزعمون أن مبدأ تكونه وحدوثه أن يزدان وهو الصانع الأول، عندهم أفكر في أمر أهرمن، وهو الشيطان، عندهم فكرة أوجبت أن عرق جبينه فمسح العرق ورمى به فصار منه كيومرث، ولهم خبط طويل في كيفية تكون أهرمن من فكرة يزدان أو من إعجابه بنفسه أو من توحشه، وبينهم خلاف في قدم أهرمن وحدوثه لا يليق شرحه بهذا الموضع