شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل فيما روي من سب معاوية وحزبه لعلي

صفحة 56 - الجزء 4

  فرضنا أنه لا يقع وما لا يقع لا يمكن حصوله مع فرض كونه لا يقع، فقال لهم: أصحابنا هذا يلزمكم في الأمر؛ لأنكم قد أجزتم أن يأمر بما يعلم أنه لا يقع، فقالوا في الجواب: نحن عندنا أنه يأمر بما لا يريد، فإذا أمر بما يعلم أنه لا يقع أو يخبر عن أنه لا يقع كان ذلك الأمر أمرا عاريا عن الإرادة والمحال، إنما نشأ من إرادة ما علم المريد أنه لا يقع وهاهنا لا إرادة.

  فقيل لهم هب أنكم ذهبتم إلى أن الأمر قد يعرى من الإرادة مع كونه أمرا، ألستم تقولون أن الأمر يدل على الطلب، والطلب شيء آخر غير الإرادة، وتقولون إن ذلك الطلب قائم بذات البارئ، فنحن نلزمكم في الطلب القائم بذات البارئ الذي لا يجوز أن يعرى الأمر منه ما ألزمتمونا في الإرادة.

  ونقول لكم كيف يجوز أن يطلب الطالب ما يعلم أنه لا يقع، أليس تحت قولنا طلب مفهوم أن ذلك المطلوب مما يمكن وقوعه، فالحال في الطلب كالحال في الإرادة حذو النعل بالنعل، ولنا في هذا الموضع أبحاث دقيقة ذكرناها في كتبنا الكلامية.

فصل فيما روي من سب معاوية وحزبه لعلي

  المسألة الثانية في قوله # يأمركم بسبي والبراءة مني، فنقول: إن معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما بسب علي # والبراءة منه.

  وخطب بذلك على منابر الإسلام، وصار ذلك سنة في أيام بني أمية إلى أن قام عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، فأزاله وذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ أن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك، وصد عن سبيلك