فصل فيما روي من سب معاوية وحزبه لعلي
  فكره ذلك ودخل المسجد فتركت الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه وردي، فلما رآني قام فصلى، وأطال في الصلاة شبه المعرض عني حتى أحسست منه بذلك، فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي، فقلت له: ما بال الشيخ، فقال لي: يا بني، أنت اللاعن عليا منذ اليوم؟ قلت: نعم.
  قال: فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ فقلت: يا أبت، وهل كان علي من أهل بدر؟ فقال: ويحك، وهل كانت بدر كلها إلا له؟ فقلت: لا أعود، فقال: الله أنك لا تعود؟ قلت: نعم، فلم ألعنه بعدها، ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة، وأبي يخطب يوم الجمعة، وهو حينئذ أمير المدينة، فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه حتى يأتي إلى لعن علي # فيجمجم، ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به، فكنت أعجب من ذلك، فقلت له يوما: يا أبت، أنت أفصح الناس وأخطبهم، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك، حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عليا؟ فقال: يا بني، إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد، فوقرت كلمته في صدري مع ما كان قاله لي معلمي أيام صغري، فأعطيت الله عهدا لئن كان لي في هذا الأمر نصيب، لأغيرنه، فلما من الله علي بالخلافة أسقطت ذلك وجعلت مكانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٩٠}[النحل: ٩٠]، و كتب به إلى الآفاق فصار سنة.
  وقال كثير بن عبد الرحمن يمدح عمر ويذكر قطعه السب:
  وليت فلم تشتم عليا ولم تخف ... بريا ولم تقبل إساءة مجرم
  وكفرت بالعفو الذنوب مع الذي ... أتيت فأضحى راضيا كل مسلم