شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نافع بن الأزرق الحنفي

صفحة 138 - الجزء 4

  فكتب إليه نافع: أما بعد، أتاني كتابك تعظني فيه، وتذكرني، وتنصح لي وتزجرني، وتصف ما كنت عليه من الحق، وما كنت أوثره من الصواب، وأنا أسأل الله أن يجعلني من القوم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

  وعبت علي ما دنت به من إكفار القعدة، وقتل الأطفال، واستحلال الأمانة من المخالفين، وسأفسر لك إن شاء الله.

  أما هؤلاء القعدة فليسوا كمن ذكرت ممن كان على عهد رسول الله ÷؛ لأنهم كانوا بمكة مقهورين محصورين لا يجدون إلى الهرب سبيلا، ولا إلى الاتصال بالمسلمين طريقا وهؤلاء قد تفقهوا في الدين، وقرءوا القرآن، والطريق لهم نهج واضح، وقد عرفت ما قال الله تعالى فيمن كان مثلهم إذ قالوا: {كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}⁣[النساء: ٩٧]، و قال سبحانه: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}⁣[التوبة: ٨١]، و قال: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ}⁣[التوبة: ٩٠]، فخبر بتعذيرهم وأنهم كذبوا الله ورسوله، ثم قال: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٩٠}⁣[التوبة: ٩٠]، فانظر إلى أسمائهم وسماتهم.

  وأما الأطفال، فإن نوحا نبي الله كان أعلم بالله مني ومنك، وقد قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ٢٦ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ٢٧}⁣[نوح: ٢٦ - ٢٧]، فسماهم بالكفر وهم أطفال وقبل أن يولدوا، فكيف كان ذلك