شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في أديان العرب في الجاهلية

صفحة 118 - الجزء 1

  فمنهم معطلة ومنهم غير معطلة، فأما المعطلة منهم فبعضهم أنكر الخالق والبعث والإعادة، وقالوا ما قال القرآن العزيز عنهم {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}⁣[الجاثية: ٢٤] فجعلوا الجامع لهم الطبع والمهلك لهم الدهر، وبعضهم اعترف بالخالق سبحانه، وأنكر البعث، وهم الذين أخبر سبحانه عنهم بقوله: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ٧٨}⁣[يس: ٧٨] ومنهم من أقر بالخالق ونوع من الإعادة، وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام وزعموا أنها شفعاء عند الله في الآخرة وحجوا لها ونحروا لها الهدي وقربوا لها القربان، وحللوا وحرموا وهم جمهور العرب، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}⁣[الفرقان: ٧].

  فممن نطق شعره بإنكار البعث بعضهم يرثي قتلى بدر:

  فما ذا بالقليب قليب بدر ... من الفتيان والقوم الكرام

  وما ذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى تكلل بالسنام

  أيخبرنا ابن كبشة أن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام

  إذا ما الرأس زال بمنكبيه ... فقد شبع الأنيس من الطعام

  أيقتلني إذا ما كنت حيا ... ويحييني إذ رمت عظامي