شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

حقيقة الكناية والتعريض والفرق بينهما

صفحة 71 - الجزء 5

  التعريض إلا فيما اعتمد عليه من أن من شرط الكناية أن يتجاذبها جانبا حقيقة ومجاز وقد بينا بطلان اشتراط ذلك فبطل ما يتفرع عليه.

  وأما قول بديل بن ورقاء معها العوذ المطافيل فإنه ليس بكناية عن النساء والأولاد كما زعم بل أراد به الإبل ونتاجها فإن كتب السير كلها متفقة على أن قريشا لم يخرج معها في سنة الحديبية نساؤها وأولادها ولم يحارب رسول الله ÷ قوما أحضروا معهم نساءهم وأولادهم إلا هوازن يوم حنين وإذا لم يكن لهذا الوجه حقيقة ولا وجود فقد بطل حمل اللفظ عليه.

  فأما ما زرى به على الرضي ¦ من قوله

  إن لم تكن نصلا فغمد نصول

  وقوله هذا مما يسبق الوهم فيه إلى ما يستقبح واستحسانه شعر الفرزدق وقوله إن الرضي أخذه منه فأساء الأخذ فالوهم الذي يسبق إلى بيت الرضي يسبق مثله إلى بيت الفرزدق لأنه قد جعل هذه المرأة جفن السلاح فإن كان الوهم يسبق هناك إلى قبيح فهاهنا أيضا يسبق إلى مثله.

  وأما الآية التي مثل بها على التعريض فإنه قال إن قوله تعالى {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا}⁣[هود: ٢٧] تعريض بأنهم أحق بالنبوة منه ولم يبين ذلك وإنما قال فحوى الكلام أنهم قالوا له هب إنك واحد من الملإ وموازيهم في المنزلة فما جعلك أحق بالنبوة منهم ألا ترى إلى قوله {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ}⁣[هود: ٢٧] وهذا الكلام لا يقتضي ما ادعاه أولا من التعريض لأنه ادعى أن قوله {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا}⁣[هود: ٢٧] تعريض بأنهم أحق بالنبوة منه وما قرره به يقتضي مساواته لهم ولا يقتضي كونهم أحق بالنبوة منه فبطل دعوى الأحقية التي زعم أن التعريض إنما كان بها.