شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

اختلاف الناس في الآجال

صفحة 137 - الجزء 5

  وقال قدماء الشيعة الآجال تزيد وتنقص ومعنى الأجل الوقت الذي علم الله تعالى أن الإنسان يموت فيه إن لم يقتل قبل ذلك أو لم يفعل فعلا يستحق به الزيادة والنقصان في عمره.

  قالوا وربما يقتل الإنسان الذي ضرب له من الأجل خمسون سنة وهو ابن عشرين سنة وربما يفعل من الأفعال ما يستحق به الزيادة فيبلغ مائة سنة أو يستحق به النقيصة فيموت وهو ابن ثلاثين سنة.

  قالوا فمما يقتضي الزيادة صلة الرحم ومما يقتضي النقيصة الزنا وعقوق الوالدين وتعلقوا بقوله تعالى {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ}⁣[فاطر: ١١].

  وربما قال قوم منهم إن الله تعالى يضرب الأجل لزيد خمسين سنة أو ما يشاء فيرجع عن ذلك فيما بعد ويجعله أربعين أو ثلاثين أو ما يشاء وبنوه على قولهم في البداء.

  وقال أصحابنا هذا يوجب أن يكون الله تعالى قد أجل الآجال على التخمين دون التحقيق حيث أجل لزيد خمسين فقتل لعشرين وأفسدوا أن يعلم الله تعالى الشيء بشرط وأن يبدو له فيما يقضيه ويقدره بما هو مشهور في كتبهم.

  وقالوا في الآية إن المراد بها أن ينقص سبحانه بعض الناس عن مقدار أجل المعمر بأن يكون انتقص منه عمرا ليس أنه ينقص من عمر ذلك المعمر.

  فأما مشايخنا أبو علي وأبو هاشم فتوقفا في هذه المسألة وشكا في حياة المقتول وموته وقالا لا يجوز أن يبقى لو لم يقتل ويجوز أن يموت قالا لأن حياته وموته مقدوران لله ø وليس في العقل ما يدل على قبح واحد منهما ولا في الشرع ما يدل على حصول واحد منهما فوجب الشك فيهما إذ لا دليل يدل على واحد منهما.