64 - ومن خطبة له #
  الخطابة كان ظاهرا لأن الناس يستحقرون القليل لقلته ويستعظمون الكثير لكثرته قال الشاعر
  تجمعتم من كل أوب ووجهة ... على واحد لا زلتم قرن واحد
  وأما قوله وكل عزيز غيره ذليل فهو حق لأن غيره من الملوك وإن كان عزيزا فهو ذليل في قبضة القضاء والقدر وهذا هو تفسير قوله وكل قوى غيره ضعيف وكل مالك غيره مملوك.
  وأما قوله وكل عالم غيره متعلم فهو حق لأنه سبحانه مفيض العلوم على النفوس فهو المعلم الأول جلت قدرته.
  وأما قوله وكل قادر غيره يقدر ويعجز فهو حق لأنه تعالى قادر لذاته ويستحيل عليه العجز وغيره قادر لأمر خارج عن ذاته أما لقدرة كما قاله قوم أو لبنية وتركيب كما قاله قوم آخرون والعجز على من عداه غير ممتنع وعليه مستحيل.
  وأما قوله # وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها فحق لأن كل ذي سمع من الأجسام يضعف سمعه عن إدراك خفي الأصوات ويتأثر من شديدها وقويها لأنه يسمع بآلة جسمانية والآلة الجسمانية ذات قوة متناهية واقفة عند حد محدود والباري تعالى بخلاف ذلك.
  واعلم أن أصحابنا اختلفوا في كونه تعالى مدركا للمسموعات والمبصرات فقال شيخنا أبو علي وأبو هاشم وأصحابهما إن كونه مدركا صفة زائدة على كونه عالما وقالا إنا نصف الباري تعالى فيما لم يزل بأنه سميع بصير ولا نصفه بأنه سامع مبصر ومعنى كونه سامعا مبصرا أنه مدرك للمسموعات والمبصرات.