شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

اختلاف الأقوال في خلق العالم

صفحة 159 - الجزء 5

  قالوا وعلمه تعالى من القسم الثاني وهذا هو المعنى المعبر عنه بالعناية وهو إحاطة علم الأول الحق سبحانه بالكل وبالواجب أن يكون عليه الكل حتى يكون على أحسن النظام وبأن ذلك واجب عن إحاطته فيكون الموجود وفق المعلوم من غير انبعاث قصد وطلب عن الأول الحق سبحانه فعلمه تعالى بكيفية الصواب في ترتيب الكل هو المنبع لفيضان الوجود في الكل.

  القول الثاني قول حكاه أبو القاسم البلخي عن قدماء الفلاسفة وإليه كان يذهب محمد بن زكريا الرازي من المتأخرين.

  وهو أن علة خلق البارئ للعالم تنبيه النفس على أن ما تراه من الهيولى وتريده غير ممكن لترفض محبتها إياها وعشقها لها وتعود إلى عالمها الأول غير مشتاقة إلى هذا العالم.

  واعلم أن هذا القول هو القول المحكي عن الحرنانية أصحاب القدماء الخمسة وحقيقة مذهبهم إثبات قدماء خمسة اثنان منهم حيان فاعلان وهما البارئ تعالى والنفس ومرادهم بالنفس ذات هي مبدأ لسائر النفوس التي في العالم كالأرواح البشرية والقوى النباتية والنفوس الفلكية ويسمون هذه الذات النفس الكلية وواحد من الخمسة منفعل غير حي وهو الهيولى واثنان لا حيان ولا فاعلان ولا منفعلان وهما الدهر والقضاء قالوا والبارئ تعالى هو مبدأ العلوم والمنفعلات وهو قائم العلم والحكمة كما أن النفس مبدأ الأرواح والنفوس فالعلوم والمنفعلات تفيض من البارئ سبحانه فيض النور عن قرص الشمس والنفوس والأرواح تفيض عن النفس الكلية فيض النور عن القرص إلا أن النفوس جاهلة لا تعرف الأشياء إلا على أحد وجهين إما أن يفيض فيض البارئ تعالى عليها تعقلا وإدراكا وإما أن تمارس غيرها وتمازجه فتعرف ما تعرف باعتبار الممارسة والمخالطة معرفة ناقصة وكان البارئ تعالى في الأزل عالما بأن النفس تميل إلى التعلق بالهيولى