شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

عهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر بن الخطاب

صفحة 164 - الجزء 1

  ولا يستحي من التعلم ولا يتحير عند البديهة قوي على الأمور لا يجوز بشيء منها حده عدوانا، ولا تقصيرا يرصد لما هو آت عتاده من الحذر.

  فلما فرغ من الكتاب دخل عليه قوم من الصحابة، منهم طلحة، فقال له: ما أنت قائل لربك غدا وقد وليت علينا فظا غليظا تفرق منه النفوس، وتنفض عنه القلوب.

  فقال: أبوبكر أسندوني وكان مستلقيا فأسندوه، فقال لطلحة: أبالله تخوفني إذا قال لي ذلك غدا قلت له وليت عليهم خير أهلك.

  ويقال: أصدق الناس فراسة ثلاثة: العزيز في قوله لامرأته.

  عن يوسف #، {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}⁣[يوسف: ٢١]، وابنة شعيب حيث قالت لأبيها في موسى: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ٢٦}⁣[القصص: ٢٦] وأبوبكر في عمر.

  وروى كثير من الناس أن أبابكر لما نزل به الموت دعا عبد الرحمن بن عوف.

  فقال: أخبرني عن عمر.

  فقال: إنه أفضل من رأيك فيه إلا أن فيه غلظة.

  فقال أبو بكر ذاك؛ لأنه يراني رقيقا ولو قد أفضى الأمر إليه لترك كثيرا مما هو عليه، وقد رمقته إذا أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنت له أراني الشدة عليه، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر.

  فقال: سريرته خير من علانيته وليس فينا مثله.

  فقال لهما: لا تذكرا مما قلت لكما شيئا ولو تركت عمر لما عدوتك يا عثمان، والخيرة لك ألا تلي من أمورهم شيئا ولوددت أني كنت من أموركم خلوا، وكنت فيمن مضى من سلفكم ودخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر، فقال: إنه بلغني أنك يا خليفة