شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

خطبة للإمام علي بعد مقتل محمد بن أبي بكر

صفحة 95 - الجزء 6

  اليتامى ظلما وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ولا تعثوا في الأرض مفسدين ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكل خير يدني إلى الجنة ويباعد عن النار أمركم به وكل شر يدني إلى النار ويباعد عن الجنة نهاكم عنه فلما استكمل مدته توفاه الله إليه سعيدا حميدا فيا لها مصيبة خصت الأقربين وعمت المسلمين ما أصيبوا قبلها بمثلها ولن يعاينوا بعدها أختها فلما مضى لسبيله ÷ تنازع المسلمون الأمر بعده فو الله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بيته ولا أنهم منحوه عني من بعده فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام محمد ÷ في الناس ممن تولى الأمر من بعده فلبثت بذاك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين الله وملة محمد ÷ فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما يكون المصاب بهما علي أعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشع السحاب فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسر وسدد وقارب واقتصد وصحبته مناصحا وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا وما طمعت أن لو حدث به حادث وأنا حي أن يرد إلي الأمر الذي نازعته فيه طمع مستيقن ولا يئست منه يأس من لا يرجوه ولو لا خاصة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا