شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر مطاعن النظام على الإمام علي والرد عليه

صفحة 132 - الجزء 6

  وهذا كلام رجل قد استعمل التقوى والورع في جميع أموره وبلغ من تعظيم أمر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وإجلال قدره واحترام حديثه ألا يرويه إلا بألفاظه لا بمعانيه ولا بأمر يقتضي فيه إلباسا وتعمية ولو كان مضطرا إلى ذلك ترجيحا للجانب الذي على جانب مصلحته في خاص نفسه فأما إذا هو قال كلاما يبتدئ به من نفسه فإنه قد يستعمل فيه المعاريض إذا اقتضت الحكمة والتدبير ذلك فقد كان رسول الله ÷ باتفاق الرواة كافة إذا أراد أن يغزو وجها ورى عنه بغيره ولما خرج # من المدينة لفتح مكة قال لأصحابه كلاما يقتضي أنه يقصد بني بكر بن عبد مناة من كنانة فلم يعلموا حقيقة حاله حتى شارف مكة وقال حين هاجر وصحبه أبو بكر الصديق لأعرابي لقيهما من أين أنت وممن أنت فلما انتسب لهما قال له الأعرابي أما أنا فقد اطلعتكما طلع أمري فممن أنت فقال من ماء لم يزده على ذلك فجعل الأعرابي يفكر ويقول من أي ماء من ماء بني فلان من ماء بني فلان فتركه ولم يفسر له وإنما أراد # أنه مخلوق من نطفة.

  فأما قول النظام لو لم يحدث عن رسول الله ÷ بالمعاريض لما اعتذر من ذلك فليس في كلامه اعتذار ولكنه نفي أن يدخل المعاريض في روايته وأجازها فيما يبتدئ به عن نفسه وليس يتضمن هذا اعتذارا وقوله لأن أخر من السماء يدل على أنه ما فعل ذلك ولا يفعله.

  ثم قال على من أكذب يقول كيف أكذب على الله وأنا أول المؤمنين به وكيف أكذب على رسول الله وأنا أول المصدقين به أخرجه مخرج الاستبعاد لدعواهم وزعمهم.

  فإن قلت كيف يمكن أن يكون المكلف الذي هو من أتباع الرسول كاذبا على الله إلا بواسطة إخباره عن الرسول لأنه لا وصلة ولا واسطة بينه وبين الله تعالى إلا الرسول.