شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

استطراد بذكر طائفة من الاستعارات

صفحة 216 - الجزء 1

  وقول أبي تمام:

  وكم أحرزت منكم على قبح قدها ... صروف النوى من مرهف حسن القد

  وكقوله:

  بلوناك أما كعب عرضك في العلا ... فعال ولكن خد مالك أسفل

  فإنه لا مناسبة بين الرجل والمال، ولا بين الصوت والمال، ولا معنى لتصييره للنوى قدا ولا للعرض كعبا ولا للمال خدا.

  وقريب منه أيضا قوله:

  لا تسقني ماء الملام فإنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي

  ويقال إن مخلدا الموصلي بعث إليه بقارورة يسأله أن يبعث له فيها قليلا من ماء الملام، فقال لصاحبه: قل له يبعث إلي بريشة من جناح الذل لأستخرج بها من القارورة ما أبعثه إليه.

  وهذا ظلم من أبي تمام المخلد وما الأمران سوء؛ لأن الطائر إذا أعيا وتعب ذل وخفض جناحيه وكذلك الإنسان إذا استسلم ألقى بيديه ذلا، ويده جناحه فذاك هو الذي حسن قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ}⁣[الإسراء: ٢٤] ألا ترى أنه لو قال واخفض لهما ساق الذل أو بطن الذل لم يكن مستحسنا.

  ومن الاستعارة المستحسنة في الكلام المنثور ما اختاره قدامة بن جعفر في كتاب الخراج، نحو: قول أبي الحسين جعفر بن محمد بن ثوابة في جوابه لأبي الجيش خمارويه