شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في الاعتراض وإيراد مثل منه

صفحة 43 - الجزء 9

  مُفْتَرٍ}⁣[النحل: ١٠١] فاعترض بين إذا وجوابها بقوله {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ}⁣[النحل: ١٠١] فكأنه أراد أن يجيبهم عن دعواهم فجعل الجواب اعتراضا.

  ومن ذلك قوله {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}⁣[لقمان: ١٤] فاعترض بقوله {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}⁣[لقمان: ١٤] بين {وَصَّيْنَا} وبين الموصى به وفائدة ذلك إذكار الولد بما كابدته أمه من المشقة في حمله وفصاله.

  ومن ذلك قوله {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ٧٢ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا}⁣[البقرة: ٧٢ - ٧٣] فقوله {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ٧٢}⁣[البقرة: ٧٢] اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه والمراد أن يقرر في أنفس السامعين أنه لا ينفع البشر كتمانهم وإخفاؤهم لما يريد الله إظهاره.

  ومن الاعتراض في الشعر قول جرير:

  ولقد أراني والجديد إلى بلى ... في موكب بيض الوجوه كرام

  فقوله والجديد إلى بلى اعتراض والمراد تعزيته نفسه عما مضى من تلك اللذات.

  وكذلك قول كثير:

  لو أن الباخلين وأنت منهم ... رأوك تعلموا منك المطالا

  فقوله وأنت منهم اعتراض وفائدته ألا تظن أنها ليست باخلة.