شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في الاعتراض وإيراد مثل منه

صفحة 45 - الجزء 9

  لي على كل حال أطوع من الشعر وكيف يريد هذا وهو كلام فاسد مختل بل مراده أن الغنى لي بشرط أن تلحظ مطالبي من الشعر أطوع لي إلا في مديحك فإن الشعر في مديحك أطوع لي منه وإذا كانت الفائدة معلقة بالشرط المذكور لم يكن اعتراضا وكذلك وهم ابن الأثير أيضا في قول إمرئ القيس:

  فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال

  ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

  فقال إن قوله ولم أطلب اعتراض وليس بصحيح لأن فائدة البيت مرتبطة به وتقديره لو سعيت لأن آكل وأشرب لكفاني القليل ولم أطلب الملك فكيف يكون قوله ولم أطلب الملك اعتراضا ومن شأن الاعتراض أن يكون فضلة ترد لتحسين وتكملة وليست فائدته أصلية.

  وقد يأتي الاعتراض ولا فائدة فيه وهو غير مستحسن نحو قول النابغة:

  يقول رجال يجهلون خليقتي ... لعل زيادا لا أبا لك غافل

  فقوله لا أبا لك اعتراض لا معنى تحته هاهنا ومثله قول زهير:

  سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم

  فإن جاءت لا أبا لك تعطي معنى يليق بالموضع فهي اعتراض جيد نحو قول أبي تمام

  عتابك عني لا أبا لك واقصدي

  فإنه أراد زجرها وذمها لما أسرفت في عتابه.