شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

143 - ومن خطبة له # في الاستسقاء

صفحة 78 - الجزء 9

  فكذلك السماء والأرض أيام الجدب وانقطاع المطر وعدم الكلأ ليس ما كان منهما بغضا لكم ولا استدفاع ضرر يخاف منكم بل طاعة الصانع الحكيم سبحانه فيما سخرهما له وإذا كان كذلك فبالحري ألا نأمل السماء ولا الأرض وأن نجعل آمالنا معلقة بالملك الحق المدبر لهما وأن نسترحمه وندعوه ونستغفره لا كما كانت العرب في الجاهلية يقولون مطرنا بنوء كذا وقد سخط النوء الفلاني على بني فلان فأمحلوا.

  ثم ذكر # أن الله تعالى يبتلي عباده عند الذنوب بتضييق الأرزاق عليهم وحبس مطر السماء عنهم وهذا الكلام مطابق للقواعد الكلامية لأن أصحابنا يذهبون إلى أن الغلاء قد يكون عقوبة على ذنب وقد يكون لطفا للمكلفين في الواجبات العقلية وهو معنى قوله ليتوب تائب إلى آخر الكلمات ويقلع يكف ويمسك.

  ثم ذكر أن الله سبحانه جعل الاستغفار سببا في درور الرزق واستدل عليه بالآية التي أمر نوح # فيها قومه بالاستغفار يعني التوبة عن الذنوب وقدم إليهم الموعد بما هو واقع في نفوسهم وأحب إليهم من الأمور الآجلة فمناهم الفوائد العاجلة ترغيبا في الإيمان وبركاته والطاعة ونتائجها كما قال سبحانه للمسلمين {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}⁣[الصف: ١٣] فوعدهم بمحبوب الأنفس الذي يرونه في العاجل عيانا ونقدا لا جزاء ونسيئة وقال تعالى في موضع آخر {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}⁣[الأعراف: ٩٦] وقال سبحانه {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}⁣[المائدة: ٦٦]