شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

عقيدة علي في عثمان ورأي المعتزلة في ذلك

صفحة 155 - الجزء 9

  المرفوع من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية وأصحابنا كافة قائلون بصحة هذه القضية وهي أنه لا يدخل الجنة إلا من عرف الأئمة ألا ترى أنهم يقولون الأئمة بعد رسول الله ÷ فلان وفلان ويعدونهم واحدا واحدا فلو أن إنسانا لا يقول بذلك لكان عندهم فاسقا والفاسق لا يدخل الجنة عندهم أبدا أعني من مات على فسقه فقد ثبت أن هذه القضية وهي قوله # لا يدخل الجنة إلا من عرفهم قضية صحيحة على مذهب المعتزلة وليس قوله وعرفوه بمنكر عند أصحابنا إذا فسرنا قوله تعالى {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}⁣[الإسراء: ٧١] على ما هو الأظهر والأشهر من التفسيرات وهو ما ذكرناه.

  وبقيت القضية الثانية ففيها الإشكال وهي قوله # ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه وذلك أن لقائل أن يقول قد يدخل النار من لم ينكرهم مثل أن يكون إنسان يعتقد صحة إمامة القوم الذين يذهب أنهم أئمة عند المعتزلة ثم يزني أو يشرب الخمر من غير توبة فإنه يدخل النار وليس بمنكر للأئمة فكيف يمكن الجمع بين هذه القضية وبين الاعتزال فالجواب أن الواو في قوله وأنكروه بمعنى أو كما في قوله تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}⁣[النساء: ٣] فالإنسان المفروض في السؤال وإن كان لا ينكر الأئمة إلا أنهم ينكرونه أي يسخطون يوم القيامة أفعاله يقال أنكرت فعل فلان أي كرهته فهذا هو تأويل الكلام على مذهبنا فأما الإمامية فإنهم يحملون ذلك على تأويل آخر ويفسرون قوله ولا يدخل النار فيقولون أراد ولا يدخل النار دخولا مؤبدا إلا من ينكرهم وينكرونه.