شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

16 - ومن خطبة له # لما بويع بالمدينة

صفحة 280 - الجزء 1

  وأما قوله: قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين، فمراده أمر عثمان وتقديمه في الخلافة عليه، ومن الناس من يحمل ذلك على خلافة الشيخين أيضا ويبعد عندي أن يكون أراده؛ لأن المدة قد كانت طالت ولم يبق من يعاتبه ليقول قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين، فإن هذا الكلام يشعر بمعاتبة قوم على أمر كان أنكره منهم وأما بيعة عثمان، ثم ما جرى بينه وبين عثمان من منازعات طويلة وغضب تارة وصلح أخرى ومراسلات خشنة ولطيفة وكون الناس بالمدينة كانوا حزبين وفئتين إحداهما معه # والأخرى مع عثمان، فإن صرف الكلام إلى ما قلناه بهذا الاعتبار أليق.

  ولسنا نمنع من أن يكون في كلامه # الكثير من التوجد والتألم لصرف الخلافة بعد وفاة الرسول # عنه، وإنما كلامنا الآن في هذه اللفظات التي في هذه الخطبة على أن قوله # سبق الرجلان والاقتصار على ذلك فيه كفاية في انحرافه عنهما.

  وأما قوله حق وباطل إلى آخر الفصل فمعناه كل أمر فهو إما حق وإما باطل ولكل واحد من هذين أهل وما زال أهل الباطل أكثر من أهل الحق، ولئن كان الحق قليلا لربما كثر ولعله ينتصر أهله.

  ثم قال على سبيل التضجر بنفسه وقلما أدبر شيء فأقبل استبعد # أن تعود دولة قوم بعد زوالها عنهم، وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله:

  وقالوا يعود الماء في النهر بعد ما ... ذوي نبت جنبيه وجف المشارع

  فقلت إلى أن يرجع النهر جاريا ... ويعشب جنباه تموت الضفادع