شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في العزلة والاجتماع وما قيل فيهما

صفحة 38 - الجزء 10

  وقد تقدم ذكر ما ورد عن النبي ÷ في الأمر بلزوم الجماعة والنهي عن الاختلاف والفرقة.

  ثم أمر # بالعزلة ولزوم البيت والاشتغال بالعبادة ومجانبة الناس ومتاركتهم واشتغال الإنسان بعيب نفسه عن عيوبهم.

  وقد ورد في العزلة أخبار وآثار كثيرة واختلف الناس قديما وحديثا فيها ففضلها قوم على المخالطة وفضل قوم المخالطة عليها.

  فممن فضل العزلة سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم وداود الطائي والفضيل بن عياض وسليمان الخواص ويوسف بن أسباط وبشر الحافي وحذيفة المرعشي وجمع كثير من الصوفية وهو مذهب أكثر العارفين وقول المتألهين من الفلاسفة.

  وممن فضل المخالطة على العزلة ابن المسيب والشعبي وابن أبي ليلى وهشام بن عروة وابن شبرمة والقاضي شريح وشريك بن عبد الله وابن عيينة وابن المبارك.

  فأما كلام أمير المؤمنين # فيقتضي عند إمعان النظر فيه أن العزلة خير لقوم وأن المخالطة خير لقوم آخرين على حسب أحوال الناس واختلافهم.

  وقد احتج أرباب المخالطة يقول الله تعالى {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}⁣[آل عمران: ١٠٣] وبقوله {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا}⁣[آل عمران: ١٠٥] وهذا ضعيف لأن المراد بالآية تفرق الآراء واختلاف المذاهب في أصول الدين والمراد