شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

21 - ومن خطبة له #

صفحة 302 - الجزء 1

  ثم قال: وإن وراءكم الساعة تحدوكم، أي: تسوقكم، وإنما جعلها وراءنا؛ لأنها إذا وجدت ساقت الناس إلى موقف الجزاء كما يسوق الراعي الإبل، فلما كانت سائقة لنا كانت كالشيء يحفز الإنسان من خلفه ويحركه من ورائه إلى جهة ما بين يديه.

  ولا يجوز أن يقال إنما سماها وراءنا؛ لأنها تكون بعد موتنا وخروجنا من الدنيا، وذلك أن الثواب والعقاب هذا شأنهما وقد جعلهما أمامنا.

  وأما القطب الراوندي فإنه قال معنى قوله: فإن الغاية أمامكم، يعني: أن الجنة والنار خلفكم، ومعنى قوله: وراءكم الساعة، أي: قدامكم.

  ولقائل أن يقول أما الوراء بمعنى القدام فقد ورد ولكن ما ورد أمام بمعنى خلف ولا سمعنا ذلك.

  وأما قوله: تخففوا تلحقوا فأصله الرجل يسعى، وهو غير مثقل بما يحمله يكون أجدر أن يلحق الذين سبقوه، ومثله قوله نجا المخففون.

  وقوله #: فإنما ينتظر بأولكم آخركم يريد إنما ينتظر ببعث الذين ماتوا في أول الدهر مجيء من يخلقون ويموتون في آخره، كأمير يريد إعطاء جنده إذا تكامل عرضهم إنما يعطي الأول منهم إذا انتهى عرض الأخير.

  وهذا كلام فصيح جدا.

  والغور العمق والنطفة ما صفا من الماء وما أنقع هذا الماء، أي: ما أرواه للعطش