شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر فوائد العزلة

صفحة 49 - الجزء 10

  وفاته أقلل معرفة الناس فإن التخلص منهم شديد ولا أحسبني رأيت ما أكره إلا ممن عرفت.

  وقال بعضهم جئت إلى مالك بن دينار وهو قاعد وحده وعنده كلب رابض قريبا منه فذهبت أطرده فقال دعه فإنه لا يضر ولا يؤذي وهو خير من الجليس السوء.

  وقال أبو الدرداء اتقوا الله واحذروا الناس فإنهم ما ركبوا ظهر بعير إلا أدبروه ولا ظهر جواد إلا عقروه ولا قلب مؤمن إلا أخربوه.

  وقال بعضهم أقلل المعارف فإنه أسلم لدينك وقلبك وأخف لظهرك وأدعى إلى سقوط الحقوق عنك لأنه كلما كثرت المعارف كثرت الحقوق وعسر القيام بالجميع.

  وقال بعضهم إذا أردت النجاة فأنكر من تعرف ولا تتعرف إلى من لا تعرف.

  ومنها أن في العزلة بقاء الستر على المروءة والخلق والفقر وسائر العورات وقد مدح الله تعالى المستترين فقال {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}⁣[البقرة: ٢٧٣].

  و قال الشاعر:

  ولا عار أن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارا أن يزول التجمل

  وليس يخلو الإنسان في دينه ودنياه وأفعاله عن عورات يتقين ويجب سترها ولا تبقى السلامة مع انكشافها ولا سبيل إلى ذلك إلا بترك المخالطة.

  ومنها أن ينقطع طمع الناس عنك وينقطع طمعك عن الناس أما انقطاع طمع الناس عنك ففيه نفع عظيم فإن رضا الخلق غاية لا تدرك لأن أهون حقوق الناس