ذكر فوائد العزلة
  من تأذى برؤية ثقيل لم يلبث أن يغتابه ويثلبه وذلك فساد في الدين وفي العزلة السلامة عن جميع ذلك.
  واعلم أن كلام أمير المؤمنين # تختلف مناهجه فقد رجح العزلة في هذا الفصل على المخالطة ونهى عن العزلة في موضع آخر سيأتي ذكره في الفصل الذي أوله أنه دخل على العلاء بن زياد الحارثي عائدا ويجب أن يحمل ذلك على أن من الناس من العزلة خير له من المخالطة ومنهم من هو بالضد من ذلك وقد قال الشافعي قريبا من ذلك قال ليونس بن عبد الأعلى صاحبه يا يونس الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين المنقبض والمنبسط.
  فإذا أردت العزلة فينبغي للمعتزل أن ينوي بعزلته كف شره عن الناس أولا ثم طلب السلامة من شر الأشرار ثانيا ثم الخلاص من آفة القصور عن القيام بحقوق المسلمين ثالثا ثم التجرد بكنه الهمة بعبادة الله تعالى رابعا فهذه آداب نيته ثم ليكن في خلوته مواظبا على العلم والعمل والذكر والفكر ليجتني ثمرة العزلة ويجب أن يمنع الناس عن أن يكثروا غشيانه وزيارته فيتشوش وقته وأن يكف نفسه عن السؤال عن أخبارهم وأحوالهم وعن الإصغاء إلى أراجيف الناس وما الناس مشغولون به فإن كل ذلك ينغرس في القلب حتى ينبعث على الخاطر والبال وقت الصلاة ووقت الحاجة إلى إحضار القلب فإن وقوع الأخبار في السمع كوقوع البذر في الأرض لا بد أن ينبت وتتفرع عروقه وأغصانه وإحدى مهمات المعتزل قطع الوساوس الصارفة عن ذكر الله ولا ريب أن الأخبار ينابيع الوساوس وأصولها.
  ويجب أن يقنع باليسير من المعيشة وإلا اضطره التوسع إلى الناس واحتاج إلى مخالطتهم.