كلام أبي جعفر الحسني في الأسباب التي أوجبت محبة الناس لعلي
  محرابه وقتل بنوه بعده وسبي حريمه ونساؤه وتتبع أهله وبنو عمه بالقتل والطرد والتشريد والسجون مع فضلهم وزهدهم وعبادتهم وسخائهم وانتفاع الخلق بهم فهل يمكن ألا يتعصب البشر كلهم مع هذا الشخص وهل تستطيع القلوب ألا تحبه وتهواه وتذوب فيه وتفنى في عشقه انتصارا له وحمية من أجله وأنفة مما ناله وامتعاضا مما جرى عليه وهذا أمر مركوز في الطبائع ومخلوق في الغرائز كما يشاهد الناس على الجرف إنسانا قد وقع في الماء العميق وهو لا يحسن السباحة فإنهم بالطبع البشري يرقون عليه رقة شديدة وقد يلقي قوم منهم أنفسهم في الماء نحوه يطلبون تخليصه لا يتوقعون على ذلك مجازاة منه بمال أو شكر ولا ثوابا في الآخرة فقد يكون منهم من لا يعتقد أمر الآخرة ولكنها رقة بشرية وكان الواحد منهم يتخيل في نفسه أنه ذلك الغريق فكما يطلب خلاص نفسه لو كان هذا الغريق كذلك يطلب تخليص من هو في تلك الحال الصعبة للمشاركة الجنسية وكذلك لو أن ملكا ظلم أهل بلد من بلاده ظلما عنيفا لكان أهل ذلك البلد يتعصب بعضهم لبعض في الانتصار من ذلك الملك والاستعداء عليه فلو كان من جملتهم رجل عظيم القدر جليل الشأن قد ظلمه الملك أكثر من ظلمه إياهم وأخذ أمواله وضياعه وقتل أولاده وأهله كان لياذهم به وانضواؤهم إليه واجتماعهم والتفافهم به أعظم وأعظم لأن الطبيعة البشرية تدعو إلى ذلك على سبيل الإيجاب الاضطراري ولا يستطيع الإنسان منه امتناعا.
  وهذا محصول قول النقيب أبي جعفر | قد حكيته والألفاظ لي والمعنى له لأني لا أحفظ الآن ألفاظه بعينها إلا أن هذا هو كان معنى قوله وفحواه | وكان لا يعتقد في الصحابة ما يعتقده أكثر الإمامية فيهم ويسفه رأي من يذهب فيهم إلى النفاق والتكفير وكان يقول حكمهم حكم مسلم مؤمن عصى في بعض الأفعال وخالف الأمر فحكمه إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء غفر له.