شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

سياسة علي ومعاوية وإيراد كلام للجاحظ في ذلك

صفحة 229 - الجزء 10

  الكتب في عساكرهم بالسعايات وتوهيم الأمور وإيحاش بعض من بعض وقتلهم بكل آلة وحيلة كيف وقع القتل وكيف دارت بهم الحال فمن اقتصر حفظك الله من التدبير على ما في الكتاب والسنة كان قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير وما لا يتناهى من المكايد والكذب حفظك الله أكثر من الصدق والحرام أكثر عددا من الحلال ولو سمى إنسان إنسانا باسمه لكان قد صدق وليس له اسم غيره ولو قال هو شيطان أو كلب أو حمار أو شاة أو بعير أو كل ما خطر على البال لكان كاذبا في ذلك وكذلك الإيمان والكفر وكذلك الطاعة والمعصية وكذلك الحق والباطل وكذلك السقم والصحة وكذلك الخطأ والصواب فعلي # كان ملجما بالورع عن جميع القول إلا ما هو لله ø رضا وممنوع اليدين من كل بطش إلا ما هو لله رضا ولا يرى الرضا إلا فيما يرضاه الله ويحبه ولا يرى الرضا إلا فيما دل عليه الكتاب والسنة دون ما يعول عليه أصحاب الدهاء والنكراء والمكايد والآراء فلما أبصرت العوام كثرة نوادر معاوية في المكايد وكثرة غرائبه في الخداع وما اتفق له وتهيأ على يده ولم يرو ذلك من علي # ظنوا بقصر عقولهم وقلة علومهم أن ذاك من رجحان عند معاوية ونقصان عند علي # فانظر بعد هذا كله هل يعد له من الخدع إلا رفع المصاحف ثم انظر هل خدع بها إلا من عصى رأي علي # وخالف أمره.

  فإن زعمت أنه قال ما أراد من الاختلاف فقد صدقت وليس في هذا اختلفنا ولا عن غرارة أصحاب علي # وعجلتهم وتسرعهم وتنازعهم دفعنا وإنما كان قولنا في التميز بينهما في الدهاء والنكراء وصحة العقل والرأي والبزلاء على أنا لا نصف الصالحين