شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

من أخبار طلحة والزبير

صفحة 13 - الجزء 11

  فلما مات عمر وولي عثمان خلى عنهم فانتشروا في البلاد واضطربوا وانقطع إليهم الناس وخالطوهم فلذلك كان عثمان أحب إلى قريش من عمر.

  فقد بان لك حسن رأي عمر في منع المهاجرين وأهل السابقة من قريش من مخالطة الناس والخروج من المدينة وبان لك أن عثمان أرخى لهم في الطول فخالطهم الناس وأفسدوهم وحببوا إليهم الملك والإمرة والرئاسة لا سيما مع الثروة العظيمة التي حصلت لهم والثراء مفسدة وأي مفسدة وحصل لطلحة والزبير من ذلك ما لم يحصل لغيرهما ثروة ويسارا وقدما في الإسلام وصار لهما لفيف عظيم من المسلمين يمنونهما الخلافة ويحسنون لهما طلب الإمرة لا سيما وقد رشحهما عمر لها وأقامهما مقام نفسه في تحملها وأي امرئ منى بها قط نفسه ففارقها حتى يغيب في اللحد ولا سيما طلحة قد كان يحدث بها نفسه وأبو بكر حي ويروم أن يجعلها فيه بشبهة أنه ابن عمه وسخط خلافة عمر وقال لأبي بكر ما تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا وكان له في أيام عمر قوم يجلسون إليه ويحادثونه سرا في معنى الخلافة ويقولون له لو مات عمر لبايعناك بغتة جلب الدهر علينا ما جلب وبلغ ذلك عمر فخطب الناس بالكلام المشهور أن قوما يقولون إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وإنه لو مات عمر لفعلنا وفعلنا أما إن بيعة أبي بكر كانت فلتة إلا أن الله وقى شرها وليس فيكم من تقطع إليه الرقاب كأبي بكر فأي امرئ بايع امرأ من غير مشورة من المسلمين فإنهما بغرة أن يقتلا فلما صارت إلى عثمان سخطها طلحة بعد أن كان رضيها وأظهر ما في نفسه وألب عليه حتى قتل ولم يشك أن الأمر له فلما صارت إلى علي # حدث منه ما حدث وآخر الدواء الكي.

  وأما الزبير فلم يكن إلا علوي الرأي شديد الولاء جاريا من الرجل مجرى نفسه.