شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر بعض مقامات العارفين والزهاد

صفحة 35 - الجزء 11

  وإذا حكم عدل وإذا وعد أنجز إن الله لم يحرم لبوسا ولا مطعما ثم قرأ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللَّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَاَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ الآية.

  وهذا القول مخالف للقانون الذي أشار أمير المؤمنين إليه وللفلاسفة في هذا الباب كلام لا بأس به وقد أشار إليه أبو علي بن سينا في كتاب الإشارات وعليه يتخرج قولا أمير المؤمنين وعلي بن موسى الرضا # قال أبو علي في مقامات العارفين العارفون قد يختلفون في الهمم بحسب ما يختلف فيهم من الخواطر على حسب ما يختلف عندهم من دواعي العبر فربما استوى عند العارف القشف والترف بل ربما آثر القشف وكذلك ربما سوى عنده التفل والعطر بل ربما آثر التفل وذلك عند ما يكون الهاجس بباله استحقار ما عدا الحق وربما صغا إلى الزينة وأحب من كل شيء عقيلته وكره الخداج والسقط وذلك عند ما يعتبر عادته من صحبته الأحوال الظاهرة فهو يرتاد إليها في كل شيء لأنه مزية خطوة من العناية الأولى وأقرب أن يكون من قبيل ما عكف عليه بهواه وقد يختلف هذا في عارفين وقد يختلف في عارف بحسب وقتين.

  واعلم أن الذي رويته عن الشيوخ ورأيته بخط عبد الله بن أحمد بن الخشاب | أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه فكانت تنتقض عليه في كل عام فأتاه علي # عائدا فقال كيف تجدك أبا عبد الرحمن قال أجدني يا أمير المؤمنين لو كان لا يذهب ما بي إلا بذهاب بصري لتمنيت ذهابه قال وما قيمة بصرك عندك قال لو كانت لي الدنيا لفديته بها قال لا جرم ليعطينك الله على قدر ذلك إن الله تعالى يعطي على قدر الألم والمصيبة وعنده تضعيف كثير قال الربيع